العاطل
الدكتور/ أحمد عبد الله السومحي
اعتاد يوميا الخروج من مبيته في تمام الساعة السادسة صباحا إلى المقهى ويجلس إلى إحدى الطاولات الداخلية بعيدا عن الأنظار وينادي واحد شاي ياطيب وحبة (باخمري) ويتكرر ذلك في المساء في الساعة الخامسة تقريبا حتى أن صاحب المقهى والعاملين فيه حفظوه فإذا رأوه قادما قالوا : ( حضرواحد شاي وحبة باخمري ياطيب) أين يذهب لا أعمال ..لا مال لاعيال وأفضل مكان يتجمع فيه العاطلون هو المقهى .. وكل ما شعر بحرارة الطقس ترك المقهى وأخذ له غطس في البحر..
ذات يوم بينما كان قادما إلى المقهى كعادته سمع صاحب المقهى يقول لصبيانه : (وصل واحد شاي وحبة باخمري ياطيب) تضايق من وقع الكلام على نفسه وشعر أنه ضيف ثقيل حتى على صاحب المقهى الذي يدفع له ابتلع سمعه تلك الكلمات وجلس على الطاولة التي تعود أن يجلس إليها لكن أحس أن كل شيء أصبح ينكره الطاولة والمقعد وحتى الذباب الذي يدخل معه في صراع حول كوب الشاي وحبة الباخمري لم يعد يره يحط على طاولته ونظرمن حوله فوجد وجوها كالحة وأجسادا محروقة ونظرات ضائعة وآذانا صاغية.. في لحظة وجوم تقدم إليه متسول حك شعر رأسه التقط قملة وضعها على الطاولة وأخذ يضربها بعصا صغيرة في يده ..فر المتسول ..شاهده بدوي عوش فضحك بخبث ..أخذ يحدث نفسه ماذا يفعل ؟ ينتحرفليس الوحيد العاطل فمعظم الجالسين في المقهى مثله ..يهاجر كيف السبيل إلى الهجرة ..وهؤلاء الباعة الجائلين الذين يصدعون رؤوسنا بالنداء على بضائعهم هل فعلا يربحون قوت يومهم أم مجرد غطاء؟ .. حاجة تحير.. الدنياحر..الدنيا حر ياللا قم خذ لك غطس..نشط بدنك وذهنك
ترك المقهى إلى البحر.. ياسلام الماء بارد فهذا نجم البلدة وهذه السيارات الفاخرة قدمت من السعودية ودول الخليج لتحضر الموسم السياحي ..موسم البلدة ..يا بختهم ..ليش ما أسألهم يمكن بينهم ابن حلال يعتني يخرج لي تأشيرة عمل وأسدده بعد ما أشتغل.. فيه أحد يسلف أحد هذه الأيام أيش الهبل حقك ..غطس ..غطس وارجع إلى المقهى واطلب لك واحد شاي وحبه باخمري..ولكن الناس يتعاونون.. نعم أحيانا يتعاونون إلا في الفلوس..
طلع من البحر لبس مئزره وقميصه..شم رائحة شواء السمك سال لعابه.. تلمض..مسح فمه ..أين يذهب في هذا الوقت..لا بيت ..لا عمل ..لا أولاد..الوقت ظهر والحرارة متوقدة ..آوى إلى ظل عمارة طويلة..آه..ههنا أستريح بعض الوقت..نزع قميصه من على بدنه وكوره ثم وضعه على حجر وكوع عليه عله يغفو قليلا.. ولكنه شم رائحة الطبيخ والقلي فتلوى وأخذ يمو مئ في داخله كقط يستجدي..وأخذت أمعاؤه تعوي عواء كلب ضال..وهبت نسمة بحرية بردت غلافه فراودته سنة من النوم..ولكن فجأة انسكب عليه شيء من إحدى النوافذ فهب مذعورا وصرخ بأعلى صوته ولعن بوش وسب صدام وشتم كل الحكومات العربية..الله ينكب من نكبنا..
نفض مئزره ولبس قميصه وعبر الجسر ..إلى أين..إلى أين يا اللا (بالقيها) خلف على الكورنيش على الأقل مكان نظيف وبعد قليل سيأتي سياح البلدة سترى وجوها نظيفة وسيارات فاخرة ..ولكن ما معي حتى حق الباص آخذها مشيا.. مشي في هذا الجو الحار..أيش هذي الحياة حتى حق الباص ما هومعك؟!؟!
اخترق المدينة مرفي سوق المكلا القديم الشارع الرئيسي يتفيأ بظل المباني من حرارة الشمس وعند ما وصل إلى برحة السوق (صنخت) الصيادية فتش في جيب قميصه استفسر من كمره وفي الأخير مسح فمه بيده وابتلع بقايا ريق جاف وواصل سيره أحس بوهج الشمس بحث عن منديل ورق يمسح به عرقه فتحسس جسمه ولكن لا يوجد عرق ..حتى عرقك جف ..واصل سيره إلى خلف ..وقف عند سقاية ..يااللا بل ريقك بكأس ماء فالماء غذاء ويسد النفس.. واصل سيره يؤشر لأصحاب السيارات علهم يحملونه معهم لا أحد يقف .. أيش هذه الحياة لامال..لاعيال..لامنزل..لاتقدير ..حتى صاحب الهاي لوكس ما هوراضي يركبك .. يااللا واصل ..هاأنا تعديت الميناء ما شاء الله الهواء هنا لطيف رغم الحرارة ومنظر البحر يفرح يااللا خذ لك غطس........
طلع من البحر لبس مئزره وربط كمره ثم لبس قميصه وعصر سرواله ووضعه فوق رأسه وواصل سيره ..أيش هذه الحياة ..لا عمل..لا أمل..لا ناقة ولاجمل..ها أنا وصلت الكورنيش ..ياسلام حتى الجو هنا شكل ثان ..آه هربنا من رائحة شواء السمك وقعنا في رائحة شواء اللحم ..يااللا.غمس..غمس في الريحة أي تغميس وأنت حتى الخبز ماهو معك..آه ما هذه السيارات الفاخرة ..السعودية..الكويت ..أبو ظبي..دبي ..قطر..عمان ..أخخخ يا بختهم..يااللا قم خذ لك غطس الماء هنا صافي....
يخرج من البحر يتلفف في مئزره يعصر سرواله ويبرحه ..يفرش قميصه ويتمدد على السورثم يجلس ووجهه إلى البحر ..يا سلام المنظر هنا جميل البواخر المارة قوارب الصيد مرح الدلفين..قرصه الجوع أيش أعمل ما هذه الحياة ..لا عمل ..لا أمل .. نظر إلى ظهره بعض الزائرين وكاد يعد ضلوعه وفقرات ظهره تقدم إليه في لطف مشوب بالحرج وعلى استحياء يا طيب خذ.. لا..لا أنا مأ أنا مسكين ..عارف..عارف..خذ هذا رزق لا ترده ..كلنا مساكين.. والله وفرجت ..ألف ريال..نعمة..قم إلى المطعم ودقها اليوم مظبي ..الحمد لله..عاد إلى الكورنيش..أخذ يفكر..أين المبيت الليلة عند بعض الأقارب أو الأصدقاء أو فوق سطح عمارة..أو على الرصيف مع الباعة ..أو في الجبل مع عوض لعنة.. ماهذه الحياة..ما أهونها..ربما لدغتك أفعى في الجبل.أو تدحرجت عليك صخرة .. ما هذه الحالة التي أنت فيها..فجأة قرب منه زائر آخر..يا طيب خذ ..أيش هذا..أكل..لا..لا..شكرا تغديت مظبي قبل قليل ..عارف إنك تغديت ..خذ لا تستحي..أقول لك والله تغديت .. يارجال ماأحد يرفض النعمة..أخذ منه الأكل ووضعه إلى جانبه على السور .. أيش هذه الحالة التي أنت فيها لا ولد لا تلد لا وقد لابلد ..واحد أعطاك ألف ريال ملأت بطنك رزولحم وواحد قدم لك لفة فيها أكل وبعد قليل سيأتي آخر وسيقدم لك علبة ببسي أوعصير أيش هذه الحياة لعن بوش وصدام ، وقرر أن يأخذ آخر غطس قبل غروب الشمش.. وغطس ولم يطلع من البحر..وخالفت القطط فأكلت الأكل وجاءت مجموعة من الماعز فأكلت مئزره وقميصه.....
المصدر : منتدى حضرموت المستقبل
حضرموت المستقبل