الأحد، 30 أكتوبر 2016

جيش البادية الحضرمي البداية والنهاية

hsan-ben-hsaynoon
تلبية لطلب الزميل الكندي مني بإعطاء نبذة موجزة عن جيش البادية الحضرمي كيف ومتى انشئ وكيف انتهى كوني أحد منسبيه.
وهنا أحاول أن أقدم ما أستطيع تقديمه المتعلق بالعنوان أعلاه وليعذرني الكندي وغيره من المتابعين إذا حصل بعض التقصير. وقبل ذلك لابد من التطرق إلى المقدمات الضرورية الهامة قبل إنشاء هذه القوة العسكرية التي بداء تشكيلها في العام 1939م.
فمن بين أهم المقدمات فبعد إبرام معاهدة الحماية ما بين جمعدار الشحر والمكلا عبدالله بن عمر وأخيه عمر بن عوض من جهة والسلطات البريطانية من جهة أخرى, وكذلك معاهدة الاستشارة التي تلتها في العام 1937م. وعلى ضوء المعاهدة الأخيرة أي معاهدة الاستشارة فقد أصبحت حضرموت تدار من قبل المستشار البريطاني للسلطنة القعيطية ولا داعي للتطرق إلى ما ورد في تلك المعاهدتين حتى لا نتيه ونبتعد كثيراً عن جوهر موضوعنا. وخلال الفترة الزمنية التي سبقت معاهدة الحماية وحتى التوقيع على معاهدة الاستشارة فقد حصلت أحداث سياسية وعسكرية هامة أجد نفسي مضطراً أدبياً وأخلاقياً الإشارة إليها ولو بإيجاز وكان من أبرزها زحف قوات السلطان غالب بن محسن الكثيري في اتجاه المكلا في محاولة للسيطرة عليها بعد فترة وجيزة من إحتلاله لمدينة الشحر لا تتجاوز الأربعين يوماً. فما كان لقرار السيطرة على المكلا وتلك الحرب والهزيمة الماحقة التي تعرض لها السلطان غالب الكثيري وقواته أن تحدث لولا الغرور والتهور ونشوة انتصاراته بعد احتلاله لمدينة الشحر.قال الكثيري شعراً:
قال الكثيري بن عمر بن جعفر
لا ناد راسي يالشوامخ نودي
الشحر خذناها وربك قدر
وعلى المكلا باتحن رعودي
غير أن الأمور قد جرت عكس ذلك أي كما يقول المثل فقد جرت الرياح بما لاتشتهي السفن لقد كانت هزيمة الكثيري المدوية على مشارف مدينة المكلا بعد تجاوز قرية الحرشيات من جهة الشمال وتعرجات طريق (السدد) الجبلية الاستراتيجية الهامة من الناحية الدفاعية لا الهجومية ورغم ذلك فقد تجاوزتها القوات الكثيرية إلا أنها هزمت وكان لتراجعها للخلف عبر تلك التعرجات أو (الملاوي) نتائج كارثية نظراً لسقوط أعداد كبيرة من المهاجمين قبل الوصول راجعين إلى قرية الحرشيات التي يطل على أحدى مرتفعاتها حصن أو قلعة استراتيجية حربية تسمى (خازوق) قال عنه شاعر السلطان القعيطي المدعو باعطوة بعد نهاية الحرب:
على خازوق باروتنا بيت وظلا
ونفقنا البضاعة وسلمنا المكلا
وعن تلك الحرب وهزيمة الكثيري فيها فقد تعرض للنقد والعتاب وبالذات من الشاعر المعلم سعيد عبد الحق الدموني الذي خاطب السلطان غالب بن محسن بجرأة قائلاً:
يلي تبعت الشور ذي ما يربح
من ذا الذي لك ذي المحازي جابها
ياذي رداك الشور ذا من شارك
شورة رداك اليوم من هبّابها
انا الذي قد قلت لك لا تعجل
الشحر قد جاتك وانت ابدى بها
الفاطر الطب الشفا في درها
غليت يوم احرمتها حلاّبها
عطاك بين عياش منعة عالية
ذاك انت واصحابك بروس اغلابها
والصيرفي في السوق يخرج مالك
يطرح قبوضك كل شي في بابها
والفرضة البصرة إذا شي نازل
يحمل دواته والقلم كتّابها
يرقم ويرسم كل ماهو باسمك
ظاهر ولا يخفي عليك احسابها
مردودها يكفيك مدة مبعدة
ولعاذ حاجة للفتن واشغابها
غرك شويرك قال مابتسكن
إلا بحكمة خير تتعنى بها
ماباتطيب لك الشحر ياغالب
إلا المكلا لا ضوتك اربابها
صلاح شف مالك سكون وعادة
تمسي البنادر قبضتك تعلا بها
وتنقطع علوى ويسقط خصمك
وحضرموت الكل تتخلى بها
أما االحادثة الثانية الأبرز فهي المذبحة التي أقدم عليها السلطان غالب الأول بحق قبائل الحموم في مدينة الشحر في العام 1911م فمن حيثياتها أن السلطان طلب مقادمة هذه القبائل مع مرافقيهم للوصول إلى مدينة الشحر ضيوفاً عنده وإعداد وليمة لهم وكذلك مناقشة حل الخلافات القائمة معهم, إلا أن تلك الوليمة قد تحولت إلى مذبحة لأكثر من 27 مقدم 300 من من المرافقين ماتوا جميعهم داخل أقبية وغرف دار ناصر ” القصر” بمدينة الشحر ولم يخرج أحداً منهم سالماً. وقد تم دفن المقادمة السبعة والعشرون في قبر واحد أمام سدة العيدروس الشمالية.
الشاعر باسباع الملقب “قريشن” من المقربين لرجال السلطنة القعيطية قال قصيدة طويلة مادحاً الحاكم القعيطي ناصر أحمد ساخراً متشفياً لمقتل زعماء الحموم ووما جاء فيها :
ذا فصل والثاني ضوانا هاجسي يلقي زعل
والليل عبرته ونا فكر ع دور الفكور
وفكرت في أمر القبائل ياجماعة والدول
ولحقت للدولة مقاطب لي تقشب بالشعور
كلمة من الدولة خلت كل شاجع ارتقل
واليوم يرجع شهر في العزبة وأيام المخور
دار الفلك قال السباعي ع خبيثين العمل
واستكبروا ولا عاد حسبوا الوقت عاده بايدور
خسف بهم ربك وخلا الفال لي فيهم يذل
وتعكمت البسطات في الموجح وقطبوها نزور
القرش ضيعهم وخلاهم يكسبون الزلل
والصلح يشتل والذي يحنق في العطفة يغور
من بعد يدعونه ويسقونه من أجبوح العسل
يعطونه العدى ويعطونه الصحايح والمهور
حبريش لي قد تاه وتكبر وحيمد والحول
ماراموا العزة ولا صانوا خوتهم والزقور
والبحسني هو والسعيدي لي عقر كمين جمل
وغلاقهم مرضوح لي قد قال ناصقر الصقور
بين الكشاريات قد قمنا الوعيدة والقبل
من له طلب يحضر يلقي طعن في وسط النحور
حضروا بني مالك ولقوا ضرب في الداسي هول
والحاشية حضروا وشلوا الألف كله والكسور
سبعه وعشرين لي سقطوا وشلوهم وصل
والمحبسة تطبل وعاد الطست باقي ع يفور
أين الذين كانوا كساهم حطيطات الذبل
أين الذي كانوا جبارى مايمدون العشور
أين الذي كانوا يفعلون المناكر والحيل
في قبر واحد رصهم والقبر زايد ع القبور
وقعت دقوقة في المناحيز الكبيرة للجفل
لما ترج الحصن محكوم البناقل والقصور
هذا جزاء من خان شايمنا ومن فينا قتل
قل له قرب ولعد باتنفعك قولة بو عمور
ربك نظر عشحر وشافها من جميع العلل
والشحر والحلان لي في الشحر باتوا في سرور
واليوم باحاوش ولا با خاف طرشة وبل
والفلك كورته من المحجب وباخوض البحور

أوردت هذه القصيدة كما هي حتى تكتمل الصورة نظراً لترابط أبياتها من البداية وحتى النهاية. وبعد فترة من الزمن على حدوث المذبحة جاء رد القبائل على تلك المذبحة والذي جرت أحداثه في مدينة الديس الشرقية بالسيطرة عليها وقتل وأسر جميع أفراد الحامية القعيطية المتمركزة فيها ذلك ما جاء في كتاب وثائق الندوة العلمية التاريخية بعنوان (المقاومة الشعبية في حضرموت 1900- 1963م ) في القسم الخاص تحت عنوان (الصراع الحمومي القعيطي ودوافعه 1868 – 1967م) صفحة 207.
جيش البادية الحضرمي, البداية
قبل إبرام معاهدة الاستشارة في العام 1937م كلف السياسي البريطاني المخضرم هارولد انجرامس من قبل المندوب السامي في عدن بالذهاب إلى حضرموت ورفع تقرير عن الأوضاع الاجتماعية خاصة وإن حضرموت ترتبط مع البريطانيين بمعاهدة الحماية. وعند وصوله إلى مدينة المكلا برفقة زوجته ولقاءه بالسلطان القعيطي ومن ثم التوجه إلى حضرموت الداخل. في هذه الأثناء شكلت لجنة سميت THE PEACE GROUP مكونة من من عشرة أفراد يترأسها الأمير علي بن صلاح القعيطي ونائباً له الرجل الثري أبوبكر بن شيخ الكاف على أن تقوم هذه اللجنة برحلات على ظهور الحمير والحمال إلى جميع مناطق القبائل واللقاء بمقاومتها والاطلاع على كافة الأوضاع خاصة وإن حضرموت كانت في ذلك الوقت منتصف ثلاثينات القرن العشرين 1934 – 1935م تعيش في أوجا الصراعات والثأرات القبلية على طول وعرض مناطقها. كان الهدف من وراء تلك الزيارة الإطلاع عن قرب حول أوضاع حضرموت وكيفية حل الخلافات والصراعات القبلية وتثبيت الأمن والاستقرار في المستقبل خاصة وإن من أهداف هذه الزيارة هو الإعداد والتمهيد لإبرام معاهدة الاستشارة.
وفعلاً بعد الانتهاء منها قدم انجرامس تقريره إلى المندوب السامي في عدن وعلى ضؤ ذلك أبرمت المعاهدة وعين هارولد انجرامس أول مستشار بريطاني لسلاطين حضرموت القعيطي والكثيري والمهرة عند ذلك بداء في الاعداد والتحضير لتشكيل قوة عسكرية تابعة لدار المستشارية في المكلا بداية بالسفر إلى شرق الأردن واللقاء بجلالة الملك عبدالله ملك المملكة الأردنية الهاشمية وقائد جيش البادية الأردني انجليزي الجنسية المدعو جلوب باشا والاتفاق معه على تسمية القوة العسكرية الحضرمية بجيش البادية الحضرمي ونفس الزي العسكري الخاص بجيش البادية الأردني.
عاد وبرفقته إثنين من الضباط الأردنيين الأول بركات الخريشه وهو بالمناسبة يحمل رقم (1) في الجيش الأردني والثاني عبد الهادي حمّاد العتيبي الذي عاد بعد نهاية خدمته في حضرموت إلى الأردن ومن ثم الانتقال إلى موطنه الأصلي في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية حتى وفاته.
كان الهدف من مجيئهم إلى حضرموت برفقة أنجرامس هو مساعدته في بناء وتشكيل وتدريب قوة جيش البادية الحضرمي.كانت بداية تكوينها ومقر قيادتها منطقة غيل بن يمين المقر الرئيسي لمقدم بيت علي وقبائل الحموم الذي ينزلون ضيوفاً عنده .
ومن المعلومات التي لم يكن أحد على إطلاع عليها ولم يتطرق لها المؤرخين هي أن الضابطين قد تزوجا شقيقتان من نفس منطقة غيل بن يمين وهن عمات زوجتي بعد نهاية خدماتهما غادرا حضرموت إلى شرق الأردن بصحبة زوجاتهم عام 1954م وأنجبا هناك العديد من البنين والبنات. قبل عدة سنوات قامت الزوجة بزيارة عماتها في الأردن برفقة أولادي نوفل ونايف وبعد فترة زرت الأردن وتعرفت على أسرهم . شكلت قوة جيش البادية الحضرمي بداية في غيل بن يمين والتي وصفها انجرامس عند أول زيارة له في كتابه: حضرموت 1934 – 1935م بالقول غيل بن يمين منطقة جميلة كمصيف وهي قرية صغيرة غالبية سكانها من البدو بعد ذلك انتقلت القيادة من غيل بن يمين إلى ديس المكلا منطقة الروزميت التي تقع على ربوة مرتفعة تشرف على شعب البادية من الشمال وقرية الديس من الغرب ومن الجنوب جبل المكلا الذي يطل على المدينة القديمة التي يجد فيها القصر السلطاني ودار المستشارية الذي تم بناؤه لهذا الغرض والذي لا يبعد كثيرا عن قصر السلطان .
لم يكن لدى هذه القوة عند بداية تشكيلها أي نوع من المواصلات الألية كالسيارات مثلاً بل كان الاعتماد على الجمال التي تم تخصيصها في تنقلات الجنود حتى ما بعد انتقال مقر القيادة إلى المكلا.
بعد الانتهاء من بناء مركز غيل بن يمين الذي سمي بمركز (ليجون) وهو عبارة عن قلعة دفاعية على شكل هندسي مستطيل جميل المنظر والذي يتكون من نوبتين فوق سطح المبنى واحدة في الجهة الشرقية والثانية في الجهة الغربية التي تقع بجانبها غرفة خاصة بأفراد الحراسة على مدار الساعة والتي تستطيع من خلالها مشاهدة السيارات القادمة من حضرموت الساحل أو الداخل عند اقترابها. كما يستطيع الحراس أن يتحركوا فوق سقف المبنى وعلى شكل دائري ذهاباً وأياباً من وإلى غرفة الحراسة. وخلال تحركاتهم يمكن لهم مشاهدة ماحيط بالمركز من الجهات الأربع عبر فتحات خاصة بالرماية في حالة أي اعتداء من الخارج.
أما الطابق الأرضي فيتكون من عدة غرف لسكن الجنود من الجهتين الجنوبية والشمالية. ومن الشرق يوجد مطبخ عام وإلى جانبه من الجنوب غرفة خاصة بالاسعافات التمريضية الأولية, أما الباحة التي تتوسط المبنى فهي مفتوحة دون سقف وتتوسطها بئر بمياهها الجوفية العذبة التي يستخدمها الجنود لتلبية حاجاتهم. وللمبنى مدخل وبوابة واسعة تقع تحت غرف الحراسة تستطيع السيارات دخولها وإلى جانبها من الجنوب توجد غرفة صغيرة ضيقة المساحة عبارة عن سجن خاص بالعصاة والخارجين عن القانون.
تحددت مهام هذه القوة العسكرية لحماية دار المستشارية والعاملين فيه إضافة إلى أمن واستقرار البلد وسكانها و حماية حدود حضرموت على طول الشريط الصحراوي. ومع ازدياد عدد أفراد القوة ازداد عدد المراكز العسكرية فبعد مركز ليجون بفترة قصيرة تم بناء مركز عساكر والعبر ومن ثم التوجه شمالاً وبناء مركزي زمخ ومنوخ ومن ثم التوجه شرقاً مروراً بوادي حزر وبناء مركز ثمود ومن بعده مركز سناو ومركز حبروت الذي تم بناءه عام 1956م وانتهاءاً بمركز غيضة بن بدر عام 1963م وهو أخر مركز يتم بناؤه لجيش البادية الحضرمي.
كما أريد هنا أن أضيف الى أن من مهام القوة المتمركزة في هذه المناطق هي تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية لسكانها من أبناء القبائل الرحل.
كما أستطيع أن أؤكد هنا بأنه لم يرتكب أي فرد من افراد جيش البادية منذ تشكيله وحتى العام 1967 م أي نوع من أنواع الجرائم أو الانتهاكات بحق أي من مواطني حضرموت . أقول ذلك بعد تجربة شخصية عشتها في لأكثر من ثمان سنوات. وحول تنقلاتهم فتتم عبر استخدام الجمال حتى نهاية خمسينيات القرن العشرين عندما تم استبدالها باستخدام السيارات .
الضباط الذين تداولوا قيادة جيش البادية
أغلبهم أردنيين وهم بركات الخريشة, عبدالهادي حماد , نايف الفايز وهو بالمناسبة تزوج في حضرموت زوجة من السادة آل البيت كان برفقته عندما جاء إلى حضرموت أبنه طارق الذي درست أنا وهو في صف واحد في مدرسة أولاد البادية وبعد الوحدة قام بزيارة لحضرموت ونزل ضيفاً عندي في عدن وقج توفي رحمه الله بعد عودته إلى الأردن. بعد نهاية خدمة نايف الفايد حل محله القائد مطيع ومن بعده القائد خلف وكان أخرهم القائد فلاح. بعدهم حل محلهم القادة البريطانيين حتى الاستقلال الوطني عام 67م.
الرعيل الأول من الضباط في قوة جيش البادية
نظراً للعدد الكبير من هؤلاء نختصر العدد على المؤسسين منهم من كبار قادة الجيش البادية الحضرمي وقادة الألوية والكتائب وأجنحة التدريب وقادة السرايا .
فإذا كان الجندي رقم واحد في الجيش الأردني بركات الخريشا فإن محمد سالم بن كور اليميني هو جندي رقم واحد في جيش البادية أي أنه أول جندي يحمل رقم واحد في هذه القوة . فمن كبار الضباط العقيد سالم عمر الجوهي , العقيد حسين مسلم المنهالي , العقيد عبد الله احمد با قروان , العقيد علي محمد با هبري , القائد عبود علوي حسن , القائد صالح ابو بكر بن حسينون , العميد سالم عوض الشماسي , العقيد عمر سالم النوحي .
ومن قادة الكتائب : اللواء سالم محمد با مرضاح , اللواء سالم عبود با بيتر المرشدي , العقيد أحمد سالمين باسلوم , العقيد سعد عمر الشرخي , العقيد عمر عبد الله الجابري , العقيد محمد عمر بن مالك , العميد علي عبيد القرزي , العقيد عمر محمد أحمد العكبري .
أما قادة الأجنحة فهم : العقيد محمد سعيد با ريدي , العقيد يوسف بن حسن بن طالب الكثيري , العقيد مبارك عبد الله الجوهي .
قادة السرايا : العقيد أحمد نوح با رشيد , العقيد أحمد محمد با رشيد , العقيد جرهوم محمد المعاري , العقيد سالم بن دول المعاري , العقيد سليمان بركات الشماسي , العقيد عوض بوبكر الجوهي , العقيد سعيد عمرو الغرابي , العقيد سالم السود القرزي , العقيد محمد سالم بن مزروع الصيعري , العقيد علوي عمر مولى الدويلة , العقيد علي ناصر العظمي , العقيد أحمد سعيد با ظروس , العقيد يسلم با حفص المحمدي , العقيد عبد الله سعيد العوبثاني , العقيد محمد برغش باقروان .
النهاية التي تلت البداية لقوة جيش البادية الحضرمي
من المعروف ان قوة جيش البادية قوة محدودة وقليلة العدد , ولا تستطيع أن تغطي مناطق حضرموت الشاسعة في حالة العمل على استتباب الأمن في ربوعها خاصة بعد أن اقترب موعد رحيل وانتهاء الوجود البريطاني عن الجنوب وحضرموت .
فمنذ بداية العام 1967 م بداء تواجد تنظيم الجبهة القومية ينتشر في أغلب مدن حضرموت الرئيسية وأريافها اكان ذلك في الساحل ام في الداخل في ظل عدم التواجد البريطاني في حضرموت عدى المستشار وبعض مساعديه الذين غادروا المكلا في سبتمبر 1967 م وهو الشهر الذي سقطت فيه حضرموت بيد الجبهة القومية التي كان صوتها مسموعا ومؤثرا مقارنة مع بقية الأصوات الخافتة الأخرى والتي لا تأثير لها .
في هذه الاثناء فأن قوة جيش البادية التابعة للمستشارية البريطانية في حضرموت لم يعد لها وجود بعد مغادرة اخر مستشار لها , وبعد ان اصبح تواجد اعضاء الجبهة القومية بشكل ملموس داخل هذه القوة العسكرية المنظمة , في هذه الاثناء تدارست مختلف القيادات العسكرية والتنظيمية بداخله الأوضاع الجارية بعد هروب المستشار البريطاني وقبل وصول الباخرة التي تنقل السلاطين الى ميناء المكلا والقادمة من السعودية وحتى لا تدخل البلد في نزاعات وخلافات وحالة من العنف والحرب الأهلية فقد اجمع الوطنيين والخيرين في جيش البادية وحتى لا توصل الأوضاع الى نتائج لا تحمد عقباها فلم يجدوا سوى القبول بالوضع والنظام الجديدين بالرغم من جميع وجهات النظر والمأخذ على ما سوف يحدث في قادم الأيام .
تم تشكيل قيادة سياسية وتنظيمية جديدة تدير الأوضاع في حضرموت خاصة وان حضرموت هي المنطقة الأولى تسقط بين الجبهة القومية في السابع عشر من سبتمبر 1967 م , بينما سقطت بقية المناطق الجنوبية الأخرى لاحقا بما فيها عدن التي سقطت في الثلاثين من نوفمبر 1967 م .
طبعا من ضمن هذه القيادة كان عدد من الضباط والعسكريين من جيش البادية , الجيش الذي كان له دور وطني مشهود في تجسيد الامن والاستقرار حتى تم استكمال مؤسسات الدولة الجنوبية الموحدة ( حضرموت والجنوب العربي ).
وعن بقية الوحدات العسكرية التي كانت قائمة في حضرموت قبل سقوطها , فبأستثناء جيش البادية الحضرمي فهناك جيش النظام الحامي للذات السلطانية فأغلب منتسبيه من قبائل يافع والذين جلبهم سلاطين القعطة خلال عدة مراحل , فهذا الجيش تفكك وانتهى , جزء منه عادوا الى مناطقهم في جبال يافع والجزء الاخر الثاني غاب تحت الأرض داخل حضرموت اما الجزء الثالث انضم الى القوة الجديدة للجان الدفاع الشعبي وقلة قليلة لا تذكر انظمت الى تنظيم الجبهة القومية والفضل يعود للقيادي التنظيمي صالح منصر السييلي وهو من يافع ( التلد ) الذين قدموا من يافع واستقروا في عدة مناطق من حضرموت الداخل بمن فيهم أباء وأجداد السييلي الذين استقروا في مدينة القطن , وقد عاد هؤلاء جميعا من مناطقهم الى وضعهم السابق قبل سقوط حضرموت بعد قيام الدولة الجديدة , عند الاستقلال تم دمج جيش البادية الحضرمي مع جيش الليوي الذي ظل يتشكل اساسا قبل الاستقلال من قبائل العوالق ( شبوة ) ومن قبائل المنطقة الوسطى في أبين , ونادرا ما يقبل افراد من بقية مناطق الجنوب بما في ذلك قبائل يافع والتي ازدهر تواجدها مع بقية قبائل الضالع على حساب الصراعات ودورات العنف التي استمرت بين العوالق ( جبهة تحرير) وقبائل المنطقة الوسطى ( دثينة ) (جبهة قومية) بدءا بالحرب الأهلية في الأيام الأخيرة للوجود البريطاني والتي تم خلالها هزيمة العوالق , مرورا بملاحقتهم في عقر دارهم في الصعيد عند اندلاع المعركة المشهورة بمعركة القارة السوداء , مرورا بالصراعات الداخلية في اطار التنظيم واقصاء الرئيس قحطان الشعبي واغتيال فيصل عبد اللطيف الشعبي غدرا داخل احدى غرف السجن المظلمة , ثم تلاحقت دورات العنف فيما بعد كان ضحيتها سالم ربيع علي وعشرات الالاف من الابرياء , كانت خاتمة تلك الدورات هي كارثة يناير 1986 م التي قصمت ضهر البعير كما يقول المثل , والتي جرت بين ( الزمرة ) بقيادة علي ناصر محمد والطغمة بقيادة علي سالم البيض ومن اطلق عليهم بالشهداء الأماجد ( فتاح , عنتر , مصلح , شايع ) وقد اطلق الفقيد عمر الجاوي رحمه الله كلمة ( طز ) أي الطغمة والزمرة .
اما خاتمة المطاف فقد جاءت على يد علي سالم البيض أحد اشهر زعماء الطغمة التي انتصرت على الزمرة عندما هرول الى تلك الوحدة الارتجالية التي تمت بينه وبين علي عبد الله صالح في مايو 1990 م ولانها قد تمت بصورة ارتجالية وغير مدروسه فقد انهارت في السابع من يوليو 1994 م وقد لعبت الزمرة دور أساسي في هزيمتها الطغمة التي احتضنها علي عبد الله صالح عندما لجأت الى صنعاء وبقية المناطق الشمالية بعد هزيمتها في يناير 86 م .
الحديث عن كيفية هزيمة من هرولوا لتلك الوحدة وما هي الأسباب الحقيقة والدوافع وما نتج عنها من خوف وجبن وخذلان المدافعين عن الأرض والعرض وكيف لعب ( الزلط ) بما في ذلك العملات المزورة بحمران العيون الذين لم يجدوا لهم من ذلك ملاذ أمن سوى الهروب خارج الوطن وترك الأرض والعرض ومن بقي على الارض يقررون مصيرهم مع الغزاة والمتنفذين فأصبحت حضرموت وبقية المناطق الجنوبية أرض مستباحة للسرقة والنهب والسطو على الأراضي وامتلاكها والاتجار بها قانونيا , فالشجاعة وارادة القتال كانت مفقودة عندهم .
و هنا نذكرهم بأحد الأمثلة حول مدى تأثير وأهمية الارادة القتالية ما جرى ولا زال يجري في سوريا : حي من أحياء حلب سيطرت عليه المقاومة السورية ضد نظام بشار الأسد لم يستطيع ذلك النظام بكل جبروته ومرتزقته من ايران وحزب الله ان يستعيد ذلك الحي بالرغم من مرور اكثر من عامين من اندلاع الثورة السورية التي تسير بخطى حثيثه على طريق الانتصار والمصير المحتوم لنظام بشار الأسد , فكيف الحال إذا كان جيش بأكمله هرب وتخلى عن الوطن والشعب .
إذا كنا قد ابتعدنا قليلا في الكتابة عن المصير والنهاية المأساوية التي وصل اليها جيش البادية الحضرمي بعد اندماجه مع جيش الليوي عند الاستقلال واصبح يسمى باللواء الثلاثين بدلا عن جيش البادية .لم يكن ضباط وافراد هذا اللواء على دراية بطبيعة الخلافات والصراعات المزمنة والكراهية والأحقاد الدفينة وحب الانتقام بين العوالق وابناء دثينة التي سبقت نيل الاستقلال الا بعد ان زج بأفراد هذا اللواء في أتون الحرب التي جرت بينهما في مناطق شبوة في معرقة القارة السوداء التي سبق ذكرها .
لقد تحققوا وتعرفوا على طبيعة الأمور وسير المعارك التي اخذت الطابع الانتقامي وبأن هذه الحرب غير وطنية وغير اخلاقية لا ناقة لهم فيها ولا جمل . وحتى لا يصبحوا شركاء في الجريمة , فقد انسحبوا كل الى منطقته في حضرموت بعد أن أصبحوا دون قياده تلملم شملهم أو تدافع عنهم وعن حقوقهم . حقيقة أن ذلك الموقف الذي اتخذوه من تلك الحرب وطابعها الانتقامي كان موقفا مشرفا بالرغم من انه كان السبب في تلاشي عدد افراده ولم يعد قوة حضرمية بل اسما جميع افراده من خارج حضرموت ضباطا وجنود .
ولا يفوتني نهاية هذا الموضوع ان اشير الى ان من اسباب تفكك ونهاية هذه القوة التي حضيت باحترام وتقدير جميع سكان حضرموت على امتداد تاريخه الطويل هي :
1- الفراغ الناتج عن غياب مؤسسات الدولة أكان ذلك في حضرموت الساحل أو الداخل .
2- تفكك وانهيار المؤسسات العسكرية والأمنية التي حلت محلها مااطلق عليها باللجان الشعبية وإحالة عدد كبير من أفراده على التقاعد .
3- الانتفاظات الشعبية او انتفاضات الفلاحين والاستيلاء على مزارع واراضي الملاك وممارسة أبشع اساليب القهر والأذلال بحق هؤلاء الملاك وبحق علماء الدين الأفاضل .
4- بعد أن اصبح المهمشين والمستضعفين في الماضي هم من اصبحوا الحكام في أغلب المديريات .
5- افراغ المحافظة من جميع الكفاءات العلمية والعملية الجربة ونقلهم الى عدن بصورة متعمدة بدوافع واسباب وأهداف خبيثة .
6- زرع الفتن والأحقاد والكراهية بين أبناء القبائل المتنفذه في السلطة المحلية والمركزية وبين القبائل الغير متنفذه , مما أدى ذلك الى صراعات متبادلة قام بتنفيذها المتنفذين في قيادة الحزب والدولة في عدن .
7- الدعاية والتحريض التي تقوم بها تلك العناصر المتنفذه بين ابناء القبائل باعتبارهم اعداء تاريخيين للمهمشين ( ثورة الكادحين ) الذين عانوا تاريخيا من العقدة الدونية بعد أن اصبحوا هم حكام حضرموت الفعليين لا لشيء سوى لزرع الفتن والأحقاد والضغائن واضعاف مكانة المحافظة .
8- بث الخلافات والتفرقة في المنطقة الحضرمية الواحدة والقبيلة الواحدة والتي تقوم بها السلطات حتى تصل الأمور الى المواجهة المسلحة عند ذلك تقف السلطه مع طرف ضد الطرف الاخر وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا كما حدث لقبيلة ال باقروان من ال سعيد من جهة وال علي من جهة اخرى كان أغلب الضحايا من العسكريين من جيش البادية وفي مقدمتهم أحد ابرز وأكفاء الشخصيات الوطنية العظيمة عبد الله أحمد باقروان الذي عين كأول قائد لجيش البادية عند سقوط حضرموت .
9- هيمنة السلطة ومتنفذيها في عدن وبمساعدة القيادات الحضرمية المعروفة في الحزب والحكومة على جميع مقدرات وثروات حضرموت ونقلها الى عدن بينما غالبية سكان حضرموت يعيشون حالات فقر وبؤس واملاق اضافة الى الظلم والقهر والممارسات اللا وطنية واللا اخلاقية ولكن ما وصلت اليه الأوضاع المأساوية للحضارم طيلة الاربعين عاما الماضية الى اليوم والتي تتحمل مسؤوليتها كاملة القيادات الحضرمية في مختلف المستويات اكانوا في المراكز والمناصب العليا او المجالس المحلية , واين هم اليوم الذين أصبحت تلاحقهم لعنات الحضارم على مدار الساعة , ادركوا ذلك ام لم يدركوه , كل هذه الأسباب انفة الذكر هي التي أوصلت الأرض والانسان في حضرموت الى ما هي عليه في الوقت الحاضر . كما ان من اهم الأسباب ايضا هو تفكك وانهيار جيش البادية الحضرمي الذي اصبح في خبر كان .
10- ومن الأسباب الهامة التي نختتم بها هذا الموضوع والتي كان لها الأثر الكبير والخطير على وحدة وبقاء جيش البادية متماسكا هي تلك المضايقات والتطفيش التي مورست بحق قبائل ومواطني الصحراء وعلى وجه الخصوص قبائل الصيعر والكرب والمناهيل والمهرة والتي ادت الى شن الحملات العسكرية بحق أفراد هذه القبائل ومطاردتهم وقتل العديد منهم داخل مناطقهم مما جعلهم يلجاؤن الى المناطق المجاورة التابعة لدول الجوار وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وحاكمها الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان الذي استقبل الوافدين و النازحين ومد لهم يد العون وقدم لهم كافة التسهيلات السخية بما في ذلك بنا مدن خاصة بهم وتعامل معهم كمواطنين اماراتيين وهي نفس المعاملة التي قدمتها المملكة العربية السعودية للقادمين اليها .
بدأت تلك المضايقات والحملات العسكرية بأحداث الوديعة بداية سبعينيات القرن الماضي وعلى اثرها نزحت أغلب قبائل الصيعر والكرب الى منطقة الشرورة بينما اشتدت وتواصلت تلك الحملات ضد المناهيل والمهرة في العام 1972 م , وقتل العديد منهم وتشردت العائلات في الصحاري وفي الأخير وصلت الى منطقة الخراخير ولم تقصر قيادة المملكة في استقبالهم واحتضانهم وقدموا كل ما يحتاجونه من مواد غذائية وملابس وبناء عشرات المساكن لتأويهم لجعلهم يشعرون بالأمن والاستقرار .
ومن المؤسف له ان من كان السبب فيما تعرضت له هذه القبائل لازالوا يتواجدون بل يتصدرون ويتزعمون القضية الجنوبية المطالبين بفك الارتباط في الوقت الحاضر.
وكان من أبرزهم محمد حيدرة مسدوس الذي لم أكن أرغب في ذكر اسمه حتى لا اتهم بالتحامل عليه , الا انني في هذا اليوم اقتنيت صحيفة الوسط الصادرة بتاريخ 11 سبتمبر 2013 م حيث كتب المذكور موضوعا بعنوان ((معالجات حل جيش الجنوب تكمن في عودة مؤسساته لا استيعابه كأفراد)) وذلك في الصفحة الخامسة . وهنا ادعو كل من يريد الاستفادة و التعرف عن حقيقة هذا الرجل وطبيعة أفكاره الأطلاع على ما كتبه في هذا الموضوع وبأن ما قلته عنه كان صائبا ولم يحمل أي تجني عليه وهذه الحقيقة التي يجب ان يعرفها كل من يجهل كيف كانت الأوضاع التي عاشها جيش البادية الحضرمي بعد العام 1967 م .
اشكر مرة اخرى الزميل الكندي الذي اعاد لي الذاكرة الى الوراء عقود من الزمن واكتب ما استطيع كتابته من ذكريات ومن تطور للاحداث وعن المصير المأساوي الذي لحق بجيش البادية الحضرمي منذ السنوات الأولى للاستقلال .

نبض قلبي حضرميا